هجرة الأسماك
– من أعجب الأمور وأغربها هجرة الأسماك التي لفتت أنظار العلماء والباحثين يحاولون تفسير ما بها من ألغاز محيرة وتساؤلات مدهشة ظلت تلح زمناً طويلاً وهم يحاولون الاهتداء إلى حلول بشأنها.
– في فصل معين من فصول السنة تجتمع أفراد هائلة من الأسماك من أنواع بعينها كالبوري أو ثعبان السمك أو السلمون لتكون أسراباً كبيرة تهاجر إلى أماكن بعيدة قد تبعد عن أماكن إقامتها آلاف الكيلو مترات.
– تستغرق الرحلة زمناً يستمر لسنين عديدة وتعود الأسماك أو ذرياتها إلى أماكنها مرة أخرى دون أن تضل الطريق رغم تشابه المياه سواء كانت مياه بحار أو مياه أنهار.
– قد اتفق الباحثون على أن الدافع إلى الهجرة هو البحث عن الغذاء أو مكان أكثر ملائمة لحياة الصغار في مراحلها المختلفة حيث يتوافر الدفء، والطمأنينة
– الأسماك المهاجرة أنواع عديدة ذكر علماء البحار بعضها كما يلي:
هجرة أسماك الرنجة
– تكثر في بحر الشمال وتكون قوافل عديدة تبتعد عن الشواطئ خلال المدة بين شهري يوليو ونوفمبر من كل عام.
– تسير جماعات متراصة بعضها إلى جانب بعض في مسيرة. قد يبلغ طولها ستة كيلو مترات وعرضها ثلاثة. ويبدو نظرها رائعاً لا سيما إذا سطعت عليها أشعة الشمس فإنها تنعكس على قشورها الفضية فتبدو أكثر روعة وجمالا.
– ينتهز الصيادون فرصة هجرة أسماك الرنجة في قوافل ضخمة ويقومون لصيدها. ويتحصلون من ذلك على كميات كبيرة قد تبلغ العشرة ملايين من أسماكها في الليلة.
هجرة أسماك المكرونة
– من الأسماك المهاجرة أسماك المكرونة، وإن كانت هجرتها إلى مسافات قصيرة.
– فهي تقوم في فصل الصيف بالهجرة في اتجاه الشاطئ من أجل أن تضع البيض.
– ثم إذا جاء الشتاء تعود إلى عرض البحر لتقصي فيها شهوره إلى أن يعود الصيف فتتجه ثانية إلى الشواطئ وهكذا دواليك.
هجرة أسماك السردين
– تتجه أسماك السردين إلى الشواطئ في فصل الشتاء من أجل وضع البيض ثم تعود في فصل الشتاء إلى عرض البحر.
– كان للسردين نشاط ملحوظ في مصر قبل بناء السد العالي حيث كان عمل الفيضان كميات هائلة من الغرين فيؤدي إلى ازدهار ملايين النباتات الدقيقة فتكون دافعاً إلى إقبال كميات هائلة من سمك السردين لا سيما أنه يكون في حاجة إلى مزيد من التغذية لأنه بعد أن يلقي بيضه يكون في حالة إنهاك وضعف شديدين فيقبل على التغذية من النباتات الدقيقة التي تزدهر وتكثر بسبب غرين الفيضان.
– كان الصيادون يجدونها فرصة كبيرة لصيد السردين في هذا الموسم.
– لقد تغيرت الظروف بعد بناء السد العالي فلم تعد كميات السردين كبيرة كما كانت في الماضي. حيث كانت نسبة ما يصطاد الصيادون يشكل نحو ٤٨ ٪ من جملة محصول الصيد البحري. قلت هذه النسبة إلى حد كبير وإن كانت ما زالت الهجرة قائمة.
هجرة أسماك السلمون
– السلمون أو (حوت سليمان) من الأسماك المهاجرة، والدافع إلى تلك الهجرة هو الحفاظ على النوع.
– إذ أن المياه المالحة في البحار تهدد بيضه بالهلاك. فيضطر إلى الهجرة إلى الأنهار ليضع بيضه في المياه العذبة. ويصير مطمئنا على نفسه ونمو صغاره.
– يهاجر السلمون ابتداء من شهر سبتمبر في مجموعات هائلة تقودها الإناث إلى مصبات الأنهار
– ويمضي عدة أيام في هذه المصبات قبل أن يواصل رحلته إلى داخل الأنهار
– وهي تدفع في الأنهار ضد التيار إلى المجرى الصغير الذي ولدت فيه.
– لقد حاول العلماء أن ينقلوا بيض الأسماك إلى مجار أخرى لكنها أدركت فوراً أنها لم تولد في المجرى الذي نقلت إليه وقامت وكانت التيارات المائية حتى عادت إلى مكان مولدها على التحديد.
– ثم تأخذ الأسماك في البحث عن الأماكن الرملية المغطاة بالحصى والذي يتوفر فيها الأكسجين كي تكون مستقرا لبيضها.
– من الأمر الطريف والعجيب أن مقاومة سمك السلمون لتيارات الماء أثناء اقتحامها للأنهار تكون قوية وعنيفة، فهو حقاً يسبح ضد التيار لذلك فإنه إذا صادفه انحدار في طريقه فإنه يقفز قفزات سريعة متتالية وقوية قد تصل إلى ثلاثة أمتار.
– لذلك يقوم الصيادون بعمل مدرجات يسهل تسلقها حتى يسهل لسمك السردين الانتقال إلى مياه الأنهار.
– بعد هذه الرحلة الشاقة يفقد السمك قوته بعد وضع البيض، وغالبا ما يموت السمك الذي تقدمت سنه ويعود ما بقي حيا إلى البحار يمارس فيها حياته من جديد حتى إذا حل موعد التناسل فإنه يعود إلى الأنهار مرة ثانية.
– وتبقى اليرقات الناشئة في مياه الأنهار مدة قد تطول إلى عامين، فيصل طولها إلى نحو اثني عشر سنتيمتر فتهاجر إلى البحر في جماعات.
ثعبان السمك
– يعتبر هذا النوع من السمك هو البطل الخارق في مجال الهجرة بين الأسماك فهو يهاجر إلى المحيط الأطلنطي من أنهار أورباً وشمال أفريقيا حيث يتجه إلى جزيرة (برمودا) بالمحيط الأطلنطي قرب شواطئ الولايات المتحدة الأمريكية.
– حيث تهبط الثعابين إلى عمق يقرب من ثلاثة آلاف قدم كي تضع الإناث البيض في الماء، فيقوم الذكر بصب الحيوانات المنوية فوق البيض لإخصابه خارجياً في مياه المحيط.
– إن هذه المخلوقات العجيبة تهاجر في فترة النضوج من برك وأنهار ومستنقعات أوربا وأمريكا وشمال أفريقيا عبر تلك المسافات الشاسعة تاركة المياه العذبة قاصدة هذا المكان البعيد وهذا الغور السحيق.
– عندما تنتقل إلى البحر تكون قد غيرت لون جدلها الأخضر إلى لون فضي، فيخفيها عن الأعداء وسط مياه البحر الزرقاء.
– تسبح إذا كانت مهاجرة من جنوب أوربا أو شمال أفريقيا عبر البحر الأبيض المتوسط تتجه غرباً، حتى تعبر بوغاز جبل طارق ثم تكمل رحلتها إلى حيث تقتري من جزيرة برمودا، ويكون ذلك في أوائل فصل الربيع من كل عام وتكون متجمعة في أفواج لا حد لها.
– أثناء هذه الرحلة الطويلة يكون قد تم نمو الأعضاء التناسلية سواء بالنسبة للذكور أو الإناث حيث يتم وضع البيض، وإخصابه.
– وفي هذه البقعة النائية وبعد تلك الرحلة الشاقة يحل بالأسماك الضعف والتعب فيموت الأبوان بعد عملية التناسل. فيفقس البيض على شكل يرقات صغيرة بالملايين. وتسبح هذه اليرقات فوق سطح الماء وتفترق إذ يتجه كل منها إلى موطن آبائه.
– فاليرقات التي يكون أبواها من أفريقيا أو أوربا تيمم وجهها شرقاً قاصدة البحر الأبيض المتوسط وتعبر بوغاز جبل طارق وتسبح قرب قاع البحر الأبيض في أول الرحلة ثم تقترب من السطح كلما قربت من موطنها.
– تستغرق رحلة الرجوع بالنسبة لها نحو ثلاث سنوات.
– أما اليرقات التي أبواها من أمريكا فإنها تتجه غرباً إلى المياه الإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية. حيث تستغرق رحلتها إلى موطنها مدة أقل إذ تحتاج هذه الرحلة نحو عام.
عودة الأسماك بعد الهجرة
– إنه من الأمور المجدة التي شغلت بال العلماء كيف تهتدي الصغار إلى مواطن الآباء والأجداد التي لم تشاهدها.
– بل كيف تتجه على وجه التحديد إلى نفس النهر أو البركة أو البحيرة الذي رحل عنه الأبوان كي تعيش في نفس الوطن.
– إنه من العجب أن ثعابين البحر الأمريكية لا تقع عليها العين في المياه الأوربية أو الأفريقية. كما يستحيل أن يصيد الإنسان ثعبان بحر أوربية في المياه الأمريكية أو الإفريقية.
– في البلد الواحد يتجه كل ثعبان إلى موطن أبوية. فعلى سبيل المثال: اقتربت الثعابين التي رحل أبواها من مصر فإن الثعابين التي عاش أبواها في دمياط تتجه إليه. بينما تتجه ثعابين فرع رشيد أيضاً إليه لأنه موطن الآباء.
– الأمر الطريف أنه لطول المسافة التي تقطعها ثعابين البحر في هجرته ولطول الزمن الذي تحتاجه الرحلة فإن فترة النضوج عند الثعابين تطول لتتوفر لها قوة الاحتمال في هذه الرحلة العجيبة.
– حقاً ما أعجب هذه الرحلة وما أعجب ما يتمتع به السمك صاحب الرحلة من قدرات.
الطريقة التي تعود بها الأسماك الى موطنها الأصلي
– اجتهد العلماء كثيراً في التعرف على الطريقة التي تهتدي بها الأسماك إلى موطنها الأصلي الذي تعود إليه. ولم يجدوا إلا مبرراً واحداً هو ما تتمتع به الأسماك من حاسة قوية في الشم.
– حيث تبين لهم أن إحدى الأسماك المهاجرة وتكون دائماً أكبر الأعضاء سناً. وبالتالي فهي أكثرها دراية وخبرة تكون هذه قائدة المسيرة نحو الهجرة لذلك تتولى مهمة التنظيم والتوجيه أثناء الرحلة الطويلة.
– تبين أن هذه السمكة القائدة تتمتع بحاسة شم قوية تمكنها من السمكة هي اكتشاف طريقها في يسر وسهولة.
– قام العلماء بإجراء العديد من التجارب التي تؤكد هذه الحقيقة. وهي تمتع السمك بحاسة شم قوية ولذلك رجح لديهم أن الأسماك عند عودتها إلى أوطانها تسبح بكل ثقة في فرع النهر الذي أمضت فيه طفولتها. ثم بعد ذلك تعرج إلى النهر الذي فقست فيه من البيض في وقت من الأوقات.
– اتضح أن لكل نهر رائحته الخاصة به والتي تتوقف على نوع النباتات والحيوانات التي تعيش فيه.
– من هذه الأحياء تتكون باقة من رائحة فريد من نوعها تميز كل نهر برائحته الخاصة. وتستطيع الأسماك الاحتفاظ بذكرى هذه الرائحة لسنوات طويلة.
– المراجع: من عجائب الخلق في عالم الأسماك – المؤلف/ محمد اسماعيل جاويش – الدار الذهبية – مصر – 2005